أَديب غريب

تَغْفو.. وَفِي الْعَيْنَيْنِ طَيْرٌ أَزْرَقُ
بِرِياشِهِ الْمَلْساءِ بَدْرٌ مُشْرِقُ
يَخْتالُ في نَبَضاتِهِ فَرَحُ الدُّجَى
وَعَلَى مَسامِعِهِ الْمَدائِحُ تُهْرَقُ
بِجَمالِهِ، ما صاغَ رَبُّكَ طائِراً
وَبِحُبِّهِ بَوْحُ الزَّمانِ مُعَلَّقُ
هَذا الْغَريبُ الْمُستَنيرُ بِفِكْرِهِ
شِعْرٌ يُضَمِّخُهُ الشَّذا والزَّنْبَقُ
أَحْبابُهُ، عُدَّ الدَّقائِقَ وَاسْتَرِحْ
فَتَرَى الْمَطارِحَ بِالْغَريبِ تُحَدِّقُ
لا تَحْسَبَنَّ الْهَجْرَ يَرْفَعُ قَدْرَهُ
فالأَرْضُ وَقْعَ حُروفِهِ تَتَعَشَّقُ
قَبْلَ ارْتِحالٍ كَمْ تَمَنَّتْهُ الرُّبَى
مَطَراً.. وَحُلْماً أَخْضَراً يَتَفَتَّقُ
هَمَسَتْ بِهِ وَقَدِ انْتَشَتْ أَطْرافُهُ:
عُدْ يا حَبيبـي، فَالنَّدى لا يُحْرَقُ
ما هَمَّهُ.. نَزَفَ الإباءَ قَصيدَةً
وَعَلى مَعانِيهِ تَعَمْلَقَ بَيْرَقُ
أَحْلامُهُ وِسْعُ الْمَدى ، وَحَنينُهُ
أَلَمٌ يُعَشِّشُ بِالْحَشَا وَتَحَرُّقُ
وَهَبَ الْهَناءَ خُصومَهُ.. فَتَهامَسوا
وَتَآمَروا وَتَوَعَّدوا وَتَمَزَّقوا
لا شَيْءَ يَدْفَعُهُمْ إلى رَكْبِ الرَّدَى
لَوْ ما الرَّذيلَةُ أَوْمَأَتْ كَيْ يَخْلُقوا
مَنْ قالَ: يُنْقِذُهُمْ صَباحُ طُفولَةٍ
مِنْ غِيِّهِمْ.. وَشُموسُهُمْ لا تُشْرِقُ؟!
جالوا.. فَأَفْنوا زَرْعَنا وَعِيالَنا
وَبِزِقِّنا خَلَّ الزَّعامَةِ عَتَّقوا
وَلَقَدْ شَعَرْتُ بِحُبِّهِ وَحَنانِهِ
يا حَبَّذا لَوْ مِنْ هَواهُ تَنَشَّقوا
كانوا الفَضيلَةَ، دونَ قَصْدٍ، مارَسوا
وَتَلَقَّحوا بِالْحُبِّ، ثُمَّ تَذَوَّقوا
لَيْسَتْ بِأَيَّامٍ تُقاسُ حَياتُنا
وَمَعَ الصَّباحِ بِعُمْرِنا نَتَصَدَّقُ
شُعَراؤنا، أُدَباؤنا، نُقَّادُنا
غَزَلوا الْبَراءَةَ مشْلَحاً وَتَنَمَّقوا
رَدُّوا الْقَصائِدَ لِلْمَضارِبِ، هَمُّهُمْ
أَنْ لا يُفَرِّطَ بِالأَصالَةِ أَحْمَقُ
مِجْذافُهُمْ كَفٌّ تُرَوِّضُ هَجْرَهُمْ
وَعَلَى أَصابِعِهِم تَرَنَّحَ زَوْرَقُ
يا ابْنَ العُروبَةِ لا تَسَلْ فَعُيونُهُمْ
تَزْدادُ سِحْراً عِنْدَما تَتَأَرَّقُ
فَاكْتُبْ، أَديبـي، لا تَخَفْ أُرْجوزَةً
سَئِمَ الْمَغيبُ سَماعَها والْمَشْرِقُ
أَنْشِدْ، أَعانَكَ خالِقي، في غُرْبَةٍ
فَلَعَلَّكَ الإنسانَ فيها تُعْتِقُ.
**