دعوة الى الجنون

ـ1ـ
سَئِمْتُ الْهَجْرَ يا أَرضي
فَهَلْ في حِضنِكِ الواسِعْ
مكانٌ.. أَسْنُدُ الرَّأْسَا
إِلَيْهِ، وَالْصَّدَى الدامِعْ
يُعِيدُ الرُّوحَ والأَمْسَا:
شَباباً يَنْثُرُ الْعِرْسَا
عَلَى ذَاكَ الثَّرَى الرَّائِعْ؟!
ـ2ـ
عَبَرْتُ الْبَحرَ.. لَـمْ أَدْرِ
بِأَنْ، في الْبَحرِ، نيرانَا
وَزِلْزالاً، وبُرْكانَا
فَما أَقْساكَ يا بَحْرِي
أَهِيمُ الْعُمْرَ كَالضَّائِعْ
شَتيتَ الحُلْمِ والقَبْرِ
أُغَنِّي الأَرْضَ في شِعْرِي
وأُدْمِي دَمْعَةَ الهَجْرِ
وأَنْعِي وَهْجَهُ الخَادِعْ..
ـ3ـ
أنا إنْ مُتُّ في الغُرْبَهْ
فَشَوْقِي الْجامِحُ الْقاهِرْ
سَيُلْغِي الْمَوْتَ وَالتُّرْبَهْ
وَأَغْدُو الْفَارِسَ الظَّافِرْ:...
إلى إِشراقَةِ الشَّمسِ
عَلَى أَحْجارِ إِلْماسِكْ
وصَيفٍ زادَهُ تِيهاً
صَفاءُ الخمْرِ في كاسِكْ...
إلى مَأْذُونِكِ الْشَّادِي
عَلَى تَرْنيمِ قُدَّاسِكْ
وَتَأْذِينٍ يُناجِيهِ
هُياماً، صَوْتُ أجراسِكْ...
إلى زيناتِ أطفالٍ
أَقاموها بِأَعْراسِكْ
وَدَبْكاتٍ وَهَيْصاتٍ
تُزيحُ الْهَمَّ عَنْ راسِكْ..
إلى ثَلْجاتِكِ البَيْضاءِ
تَكْسُو وَجْهَكِ العامِرْ
وَنَبْعٍ دائِماً يَحْنو
عَلى شلاَّلِكِ الهادِرْ
وفَلاَّحٍ تُسَلِّيهِ
حَكايا رَوْضِكِ الزَّاهِرْ
وتَلاَّتٍ أَنِيقاتٍ
يُعانِي دونَها الطَّائِرْ..
إِلَى مَلْقاكِ يا مَجْدِي
ويَكفينِي عَنِ البُعدِ
ثَراءً.. حُبُّكِ الطَّاهِرْ.
ـ4ـ
أَعِينينِي إِذَا جاءَتْ
عَذَارَى طَيْفِكِ الغالي
وَشَاءَتْ أَنْ تُواسينِي
فَهَلْ أَشْكُو لَها حالي؟!:
أنا صَوتٌ.. وَلكِنِّي
أُدارِي وَقْعِيَ العالي
وأحلامٌ.. أخَافَتْهَا
تَحَدِّيَّاتُ أَطْفالي
وأَنَّاتٌ كَئيباتٌ
أُغَنِّيها بِمَوَّالي
أنا بِالهَجْرِ مَسْجُونٌ
طَويلٌ ذَيْلُ أسْمالي
فَهَلْ أَلْهَمتِنِي صَبْراً
لأُلْغِي قَيْدَ أقْفالي
وأَشْدُو حُبَّكِ الْمَدْفونَ
يا أَرْضي.. بِأَوْصالي
ـ5ـ
أنا مَنْ عاشَ مَصْلوباً
عَلَى مَوْجاتِ إحْساسِهْ
وَجُرْحِي نازِفٌ سَمّاً
ولا جُرْحَ بِمِقْياسِهْ
أنا مَنْ عَضَّهُ شَوقٌ
وَلَحْمِي بَيْنَ أضْراسِهْ
وَدَهْرِي دائِماً يَقْسو
عَلَى الأَخْيارِ مِنْ ناسِهْ.
ـ6ـ
أنا مَنْ هامَ لا يَلْوِي
وَغَطَّى وَجْهَهُ الطِّينُ
وقالَ النَّاسُ: مَجنونٌ
فَيا نِعْمَ المَجانينُ
لَهُمْ صَيْحاتُ أطْفالٍ
بِها تَزْهو الْبَساتينُ
وَهُمْ للشَّرْعِ إدراكٌ
وَلِلْحَقِّ قَوانينُ
وَلَمْ تَلْعَبْ بِدُنْيَاهُمْ
سِياساتٌ وَلا دينُ
فَجُنُّوا، الْيَوْمَ، لا تَخْشَوْا
إذا هاجَتْ مَلايينُ
جُنونُ الحقِّ لا يَعْلوهُ
تاجٌ أو سَلاطينُ
وَنَصْرُ الشَّعْبِ.. يا أَرضي
بِمَسِّ الشَّعبِ مَرْهونُ!.
ـ7ـ
فَجُنُّوا، الْيَوْمَ، إِنْ شِئتُمْ
هَلاكاً فيهِ تَخْليدُ
وَأَمْجادُ حِكاياتٍ
تُغَنِّيها الأناشيدُ
وَذِكرى تُرْجِعُ الْماضِي
وَتُهْديها الْمَواعيدُ
إلى أفْواهِ أجْيالٍ
أدارَتْها العَناقيدُ
كحَبَّاتٍ مُضِيئاتٍ
يُناغِي ضَوْءَها العيدُ.
ـ8ـ
فَجُنُّوا يا أَحِبَّائِي
وَصيحوا صَيْحَةَ النَّصْرِ
فَلا القُوّادُ صاحوها
ولا الْحُكّامُ في القَصْرِ
لأنَّ الْكُلَّ مَخْمورٌ
أماتَ الحِسَّ بالخَمْرِ
هَلُّموا نَحْفُرِ الْمَدْفَنْ
وَنوسِعْ رُقْعَةَ الحَفْرِ
وَنُرْدِ الْخَائِنَ الأَرْعَنْ
وَنُنْهِ الأَمْرَ بِالأَمْرِ
فَإنْ بَقَّتْ أراضينا
فُلولَ الكِذْبِ والْغَدْرِ
نُشَمِّرْ عَنْ أيادينا
ونَرْمِ الْكُلَّ في الْبَحْرِ..
**